إن
حقوق الأولاد هي واجبات الآباء والأمهات وقد وضع الشرع لها منهاجا في تربية الأولاد
من عدة عناصر أهمها : 1-
حسن اختيار الزوجة يقول
علماء التربية : يجب على الوالد أن يبدأ بتربية ولده قبل الولادة ، وهذا ما أرشد
إليه الإسلام عن طريق اختيار الزوجة ، لأن خطيبة اليوم التي يقصدها الشاب هي زوجة
الغد ، وأم المستقبل ، ومربية الأطفال والأجيال ، والأم هي المدرسة الأولى التي
تحتضن الطفل ، لترضعه لبان الأدب والتربية مع لبن الثدي والغذاء ، ثم ترعاه في أول
مراحل العمر ، لتغرس في عقله وقلبه البذور الأولى التي ستنمو عند الكبر ، وتصون
فطرته عما يفسدها مع ما تهب لوليدها من صفات موروثة ، وطباع مفطورة ، ومواهب متأصلة
فكان حسن اختيار الزوجة من أجل الأولاد أكثر أهمية من بقية العوامل التي تطلب
المرأة لأجلها وهو ما أرشد إليه رسول الله r : (( تخيروا لنطفكم )) ([1])
وقوله : (( فأظفر بذات الدين تربت يداك )) ([2])
. ويقول
الشاعر حافظ إبراهيم : الأم
مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
فالأم هي المربية
للأطفال ، والحاضنة للأطفال ، والأمينة على الذرية ، والمكلفة بالإشراف عليهم ،
لأنها سترضع الطفل اللبن كما سترضعه العقيدة والأخلاق والقيم، وهي ستربي العباقرة
والمصلحين الذين يتلوون دفة الحكم ، وسفينة الإصلاح ، وقيادة الجيوش ، ورجال الدعوة
والفكر ، وبمقدار التوفيق في حسن اختيار الزوجة يكون الوالد قد أرسى حجر الأساس من
الأحكام الخاصة بالحامل والمرضع ، لرعاية الجنين والطفل الرضيع فأباح للحامل
والمرضع مثلا الإفطار في رمضان ، وجعل الرضاعة حقا للطفل لما يمتاز به لبن الأم من
فوائد جسمية ونفسية للطفل وأن الرضاع واجب على الأم قضاء وديانة ، وتجبر الأم عليه
عند الحاجة ، كما شرع الله الحضانة حقا للأم والطفل معا .
وإن
أول جهد في التربية، وأول دعامة لها ، هو التوجه إلى البيت ، وخاصة إلى الزوجة
الصالحة ، والأم المربية والأم المؤمنة والواعية ، وقد كان دوما وراء كل رجل عظيم
امرأة عظيمة ، أو أب عظيم ، أو أبوان عظيمان([3])
2-
رعاية الوليد متى
تمت الولادة بدأت التربية منذ اللحظة الأولى من حياة الوليد ، وهذا ما أرشد إليه
الدين الحنيف ، وتفرد به على سائر المناهج التربوية في العالم وكلف الوالدين بإرساء
الدعائم التربوية التي سيتم عليها بناء المستقبل ، وهي آداب إسلامية وسنن نبوية ،
ومنهج رباني وأهم هذه الآداب ثلاثة : الأدب
الأول : الآذان والإقامة وذلك
في أذني الوليد ، ليكون أول شيء يسمعه في هذا الوجود وهو توحيد الله تعالى الذي
خلقه ، وأوجده من نطفة فعلقة فمضغة ، في ظلمات ثلاث ليحقق الخلافة في الأرض ويبدأ
بتنفيذ العهد الذي أخذه الله تعالى من بيني آدم من ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
] وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا
بَلَى شَهِدْنَا [ [الأعراف: 172]. والآذان والإقامة
يربطان الحياة – في الأفراح والأتراح – بالعقيدة والدين ، ليبقى الأهل أيضا في
لحظات السعادة على صلة بالله تعالى وتذكر له ، ويقولوا ] فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [ [المؤمنون: 14]. ] رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي
ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [ [الأحقاف: 15]. الأدب
الثاني : حسن اختيار الاسم
وهذا
من مسئولية الوالدين ، لما ورد في الأحاديث الشريفة الكثيرة قال رسول الله
r : (( حق الولد على الوالد : أن يحسن اسمه ، ويعلمه الكتابة ،
ويزوجه إذا بلغ )) ([4])
. وعن
ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالوا يا رسول الله قد علمنا ماحق الوالد فما حق
الولد ؟ قال : (( أن يحسن اسمه ، ويحسن أدبه )) ([5])
. وكان
رسول الله r يغير الأسماء القبيحة التي كانت في الجاهلية إلى أسماء حسنة ، وإن
اختيار الاسم الحسن علامة بارزة في التربية الغير مباشرة ، لأن كل شخص له من اسمه
نصيب إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، بالإضافة إلى الأمور النفسية التي بينها علماء
التربية عند المناداة باسم حسن أو قبيح وأثر ذلك على نفسية الطفل وعلاقته مع زملائه
وأفراد مجتمعه . الأدب
الثالث : تكريم الطفل بالعقيقة لإعلان
السعادة والفرح والبشر بمقدم الطفل ، وتكون العقيقة بذبح شاة أو أكثر عن المولود
يوم أسبوعه ، لإطعام الأهل والأقارب والجيران بهذه المناسبة السعيدة وتقديم الشكر
لله تعالى على فضله ونعمه ، وقال جمهور العلماء : العقيقة سنة .
3- رعاية الطفل من الصغر
وذلك
في مأكله ومشربه ، وجسده ، وثيابه ، ليكون صحيح العقل ، سوي الجسم ، سليم الحواس ،
فإن حياة الإنسان كل لا يتجزأ ، وإن حياته الجسمية في الصغر مؤشرا إلى حالته في
الكبر ، وإن العقل السليم في الجسم السليم والإسلام يريد منا أن نربي أولادنا على
القوة والنشاط ، يقول رسول الله r : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل
خير )) ([6])
وهذه
القوة تتجلى بالمعنى المادي كما تتجلى بالمعنى الروحي أيضا ، بأن يكون الطعام طاهرا
ومبرأ منكل ح رام ، فلا يطعم الأولاد إلا من حلال ، ولا تتغذى الحامل والمرضع والأم
الحاضنة إلا من حلال ، لأن اللبن أو الغذاء الحاصل من حرام لا بركة فيه ، وكيف يقدم
الوالد إلى أولاده الغذاء الحرام ، ثم يسعى إلى أن يكونوا على منهج الله وصراط رب
العالمين ؟ فإن الفاسد لا يؤدي إلا إلى فساد ، والحرام لا ينتج إلا سوءا وضررا
، كما إن الحرام لا يكون وسيلة إلى
المقاصد النبيلة والغاية لا تبرر الواسطة ، وكل لحم بنت من السحت فالنار أولى به .
يقول
رسول الله r : (( إن الله طيب ، لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما
أمر به المرسلين فقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا
صَالِحًا [ [المؤمنون: 51] ، وقال تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ [ [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى
السماء : يارب ! يا رب ! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ،
فأنى يستجاب له؟!))([7])
. ويظن
كثير من الآباء أن واجبهم تجاه الأولاد – مقصور على تقديم القوت ، والغذاء والكساء
، وأن يؤمنوا لهم العيش الرغيد ، والحياة المادية المرفهة ، فيقضي الأب الأيام
والسنين منهمكا في الكسب ويضرب في الأرض للتجارة والعمل ويسعى ذات اليمين وذات
الشمال ويغيب عن بيته ومنا طويلا ويترك أولاده ويغفل عن تربيتهم ويظن انهم صغار
يكفيهم الطعام والشراب واللباس فتكون النتيجة الضياع والحسرة .
وعلى
العكس من ذلك تماما فقد عمد الناس قديما إلى وأد البنات هربا من رزقهم وبخلا على
معيشتهم وخشية من الفقر وضيق ذات اليد ويعمد الناس اليوم إلى ما يسمى بمنع النسل
خشية الإملاق والإنفاق والخوف من قلة الرزق والخوف من الفقر لذلك رد القرآن الكريم
على هذين الصنفين مبينا أن الله هو الخالق وهو الرازق وأنه يرزق الأولاد كما يرزق
الآباء والأمهات([8])
فقال تعالى : ] وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا
[ [الإسراء: 31]. وقال
تعالى : ] وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ
نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [ [الأنعام: 151]. كما
أعلن القرآن الكريم المبدأ العام في الرزق فقال تعالى : ] وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ .فَوَرَبِّ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
[ [الذاريات: 22، 23]. ورقط
القرآن الكريم بين الرزق والكسب ووجوب التربية ، وإن انصراف الوالدين بعض الوقت إلى
تربية الأولاد لا يؤثر على مورد رزقهم ولا يبطل فقال تعالى ] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
[ [طه: 132]. 4-
البدء بالتربية والتوجيه من الصغر بأن
يضع الوالدان الخطة الحكيمة والمنهاج السديد لتربية الأولاد وذلك بأن يبذل الأب من
ماله ووقته على تربية أولاده كما ينفق من ماله وراحته على تأمين مأكله ومشربه
وملبسه فيعلمه الأدب الحسن ويلقنه الخلق الإسلامي الفاضل ويدربه على السلوك القويم
والوسيلة التربوية
لذلك أن يغرس الآباء والأمهات في نفوس أولادهم القيم الدينية والعادات الإسلامية
الصحيحة ، وأن يؤدبهم بآداب الإسلام وأن يعلموهم أحكام الشريعة وأن يرددوا على
مسامعهم محبة الله ورسوله ، وأن يذكروهم باستمرار بفضل الله ورحمته ورعايته وتصرفه
في الكون ، وأن يميزوا لهم بين الحلال والحرام ، وأن يلقنوهم بعض الأمور العامة مثل
ولادة الرسول زمانا ومكانا واسم أبيه وأمه وجده وعمه ومرضعته وحاضنته وأن يصحبهم
الأب إلى المسجد ويأخذ بيده إلى أماكن العبادة والحفلات الدينية ، وأن يرشدهم إلى
الخير وحفظ القرآن ، وأن يحفظهم قسطا من السنة والسيرة وأخبار الصحابة والخلفاء مما
يحرص عليه الآباء في تربية الأبناء والبنات ليسيروا على صراط الله المستقيم فيكون
الأولاد ذرية صالحة في الدنيا ويكونوا أجرا وثوابا في صحيفة الوالدين للآخرة ،
ويمتد بهم العمل الصالح بعد الوفاة ويتحقق فيهم الحديث الشريف : (( إذا مات ابن آدم
انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )) ([9])
كما
يجب على الوالدين أن يعملا أولادهم بالعطف والرفق واللين والحزم والشدة عند اللزوم
، ويتدرج الأب معهم كلما تقدم بهم السن ثم يغير من طريقته في التعامل حسب العمر ،
وأن يدخل إلى نفوسهم بالمكاشفة عن أحوالهم الخاصة ومتطلباتهم النفسية والجسدية
والفكرية وخاصة عند ظهور علامات البلوغ وأن يكون حكيما لإقامة التوازن الكامل لهم
بين النواحي المختلفة فلا يفرط بالطفل أو الشاب من جانب دون غيره وورد الأثر ((
لاعب ابنك سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم أترك الحبل على غاربه )) وكذلك الأم في
علاقتها مع البنت وخاصة عند النضج والبلوغ . وهذه
التربية تتوقف على الأصول التربوية التي يجب على الوالدين رعايتها وتبدأ بالمحبة
والصداقة والصراحة والفهم لأحوال الأولاد لمعالجتها بحكمة ثم بيان التوجيه السديد
والطريق السليم لهم . أما
اللجوء إلى القسوة والتهديد الذي يتسرب إلى نفوس كثير من الآباء فيصدرون الأوامر
كأنهم في معركة حربية في البيت فإنه يبوء بالفشل ويفقد الأهل سلطان الإرشاد
والتوجيه والإقناع والوقار وقد يتظاهر الأولاد بالطاعة والهدوء ونفوسهم في غليان
شديد ينتظرون الفرصة للعبث ثم التوجه إلى من يفضون إليه مشاعرهم ويجدون عنده الأذن
الصاغية ليقودهم إلى الهاوية. ونقول
: يجب وضع الخطة الرشيدة في التربية لأنه لا يصلح شرعا الاكتفاء بكلمات ونصائح
شفوية وأوامر مجردة (( قم ... صل ... اتق الله )) فإن العدو الماكر قد خطط لهذه
الأمة وتآمر على دينها ومقدساتها واتجه إلى اغتيال شبابها وفتياتها ، ولا يزال ينفذ
مخططه بخبث لئيم وخطط ثابتة ودراسة مخططة ووسائل متعددة وأساليب دنيئة ، ولابد من
مواجهة هذا التخريب بدقة وحنكة ودراية فالحديد لا يفله إلا الحديد .
5-
التعريف بالحلال والحرام يجب
تعريف الأولاد بالحلال والحرام في جميع التصرفات مع تنمية العقيدة وتعليم العبادات
والأخلاق والمحبة لرسول الله r والاقتداء بموافقة فتى وشابا وقائدا وزوجا وأبا وداعيا ومعلما
وصديقا وجارا و سياسيا مع الاعتزاز بتاريخ الصحابة والسلف عامة .
ويتم
ذلك بالتعليم والتعليق على مواقف التاريخ و ضرب الأمثلة الحية والقصص الإسلامية
والقراءة الواعية والتزود بالثقافة مع التطبيق العملي ليقوم في نفس الطفل صورة
كاملة وصحيحة عن الإسلام . والشائع
اليوم أن الآباء يهملون أولادهم في هذه المرحلة متوهمين أنهم صغار وأن التعاليم
الإسلامية غير مطلوبة منهم كالصلاة والحجاب وغيرها ثم ينحرف الشاب وتخرج الفتاة عن
حياء الإسلام ثم يصرخ الآباء والأمهات ويستغيثون بعد فوات
الأوان
وقد
يحاول الآباء والأمهات استخدام حقهم في التربية المتأخرة فيكون الفشل حليفهم
ويستعين الزوج بزوجه أو أقاربه أو أصدقائه أو المعلم أو المدير فلا ينفع الدواء بعد
أن استحكم الداء والفساد ولذا قيل : (( من أدب ولده صغيرا سر به كبيرا )) وجاء في
الأثر (( الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) . وقال
رسول الله r : (( من عال جاريتين حتى يدركا دخلت أنا وهو الجنة )) ([10])
وفي
حديث آخر : (( ومن عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة)) ([11])
.6-
ممارسات العبادات وهي
فرع من التعريف بالحلال والواجب مع التعويد على ارتياد المساجد وأداء الصلاة في
البيت والمدرسة والتدريب على الصيام والصدقة والإحسان إلى الجار والفقير ومعاونة
العاجز واحترام الكبار والمسنين . يقول رسول الله r : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء
عشر وفرقوا بينهم في المضاجع )) ([12])
. قال
العلماء : وهكذا في الصوم وغيره ، حتى يتمرنوا ولكي يبلغوا وهم مستمرون على العبادة
والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر([13])
فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر ، ومن شب على شيء شاب عليه .
والحكمة من النص
على الصلاة أنها عماد الدين ويقاس عليها غيرها . والوسيلة التربوية
باصطحاب الأولاد إلى المسجد ومشاركتهم في تنفيذ الأحكام الشرعية في البيت والعمل
وأن يكلفهم بها ويحبب لهم الطاعات ، ويرغبهم بأجرها ويحذرهم من المحرمات وأن
يجالسهم في أوقات متعددة دون الاكتفاء بإصدار الأوامر وان يستمر بالتذكير اليومي
لقوله تعالى : ] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
[ [طه: 132]. 7-
إقامة الصلاة الاجتماعية القوية بأن
يوجه الوالدان الولد لاختيار الصديق الصالح والزميل المؤمن وإلا اختار غيرهما
والصديق يؤثر على صديقه في الإصلاح والفساد والصاحب ساحب والمرء على دين خليله
فلينظر احدكم من يخالل . وهذه
المرحلة أساسية بعد العاشرة خاصة لأن الولد يبدأ الخروج من البيت والاختلاط بالناس
ولكن يجب أن يكون دور الأب غير مباشر في اختيار الأصدقاء والإبعاد عن قرناء السوء ،
والوسيلة التربوية لذلك أن يصطحب الوالدان أولادهما في زيارة الأصدقاء الصالحين
ليقيم الأولاد مع بعضهم جسور الصداقة والتعاون والمحبة وتبادل الكتب والأفكار فإن
تمت العلاقة بين الأولاد توارى الآباء عن المسرح ، ويفعل الأب مثل ذلك مع الجيران
الصالحين ، والأقارب الملتزمين بالإسلام ثم يتابع الأب ذلك بالإرشاد إلى الأندية
الرياضية الملتزمة وحضور الدروس المفيدة والبرامج الإسلامية والندوات الفكرية
واقتناء المجلات الهادفة والقصص البناءة . وفي
المقابل يقطع الأب كل آصرة لا ترضي الله عن طريق الإقناع والتوعية والمناقشة
والحوار وليس بالقسوة والإجبار أو الصراخ أو التهديد . يقول
الرسول r : (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير
)) ([14])
. ونحذر
مما يفعله البعض من اصطحاب أولادهم إلى أماكن اللهو والفجور والسهرات المشبوهة
والأماكن الموبوئة والمدارس التبشيرية والأندية الماجنة فإنه حرام قطعا ويتحمل
الآباء مسئولياتهم الجسيمة أمام الله إذ يقدمون أولادهم هدية سائغة للشيطان
والرذيلة والفساد . 8-
تحفظ القرآن الكريم ويبدأ
من الصغر لأنه يقوم السلوك والخلق ويحفظ اللسان ويثبت العقيدة ويضمن المستقبل للشاب
لقوله r : (( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة
القرآن فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه
وأصفيائه )) ([15])
. وقال
أيضا : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) ([16])
. والأحاديث في هذا كثيرة . ويتوقف
النجاح في ذلك على توجيه الآباء واختيار الموجه وانتقاء المربي وهو ما بالغ به
السلف الصالح والخلفاء الأوائل بتخير المؤدبين والمربين والمعلمين الموثوق بدينهم
وسلوكهم فيعهدون إليهم بتربية الأولاد ويرسمون لهم الخطوط العريضة في التربية .
ويمكن
الاعتماد في ذلك على مبدأ الثواب والعقاب أو الترغيب والترهيب وتلبية النوازع
النفسية بالثناء العلني وحب الظهور واستقلال الشخصية والتغاضي عن الهفوات.
ومن
الخطأ الشائع : الاكتفاء بحفظ الآيات أو قراءة الكتب بشكل إجباري دون إدراك المضمون
والهدف الذي يشوقهم للحفظ ويعلقهم بالكتاب الكريم وتطبيقه والاستفادة من معانيه
وأحكامه . 9-
التسوية بين الأولاد وذلك
في الرعاية والمحبة والاهتمام بالهدايا ماديا ومعنويا حتى القبلات لما رواه الشعبي
أن رسول الله r قال : (( اعدلوا بين أولادكم في العطايا كما تحبون أن يعدلوا بينكم
في البر )) ([17])
وروى
النعمان بن بشر t أن أباه أعطاه عطية ولم يعط بقية إخوته وأراد أن يشهد على تصرفه
رسول الله r فسأله عليه الصلاة والسلام : (( هل أعطيت كل أولادك مثل هذا ؟ ))
قال : لا فقال عليه الصلاة والسلام : (( فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) وفي
رواية قال : (( لا تشهدني على جور وإن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم ))
([18])
وهو مبدأ تربوي يترك أثرا حسنا على الأولاد وأما تفضيل أحد الأولاد من أمراض
الجاهلية التي عادت أدراجها إلى المسلمين لتمزق الشمل وتقطع الأرحام وتخلق الحقد
والبغضاء والعداوة بين أفراد الأسرة
الواحدة . 10-
القدوة الحسنة وهو
أهم عناصر منهج الإسلام في تربية الأولاد ليكون الوالدان قدوة حسنة في التربية لأن
التقليد وسيلة ناجحة عند الصغار خاصة ومع الوالدين بشكل أخص فالطفل يبدأ بتقليد
والديه ومن يحيط به و يقلد من يحب ويتقمص شخصية من يستحوذ على فكره ويظهر ذلك جليا
عند الأطفال في العبادة والأخلاق والسلوك ، وفي هذا يقول الرسول الكريم : (( كل
مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) ([19])
وتتمثل
القدوة الحسنة بالفكر والسلوك معا ، فإن تعذر على الأب جانب الفكر والمعرفة استعان
بالأيدي الأمينة والمربي الواعي والموجه الحكيم كما يفعل في تعليم الصنعة والحرفة .
وإن
جميع العناصر السابقة تبقى نظرية وحبرا على ورق إذا لم تتجسد بصورة واقعية في حياة
الطفل مع التحذير من مخالفة الأقوال والأفعال فإن التربية تفقد مضمونها وقد تؤدي
إلى عكس المراد منها . 11-
الاعتماد على الله تعالى وهو
آخر العناصر بل أهم العناصر وذلك بالتوجه إلى الله والاستعانة به وسؤاله التوفيق في
حفظ الذرية الطيبة وهذا هو منهج الأنبياء كما ذكره القرآن الكريم كثيرا ، قال تعالى
على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ] رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا
وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [ [إبراهيم: 40]. وقد
قال تعالى على لسان إبراهيم وإسماعيل : ] رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا
أُمَّةً مُّسْلِمَةً [ [البقرة: 128]. وقال
تعالى على لسان المؤمن ] وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [ [الأحقاف: 15]. ووصف
القرآن الكريم عباد الرحمن بصفات منها : التوجه إلى الله بطلب الذرية الصالحة فقال
تعالى : ] وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
[ [الفرقان: 74]. فإن
التزم المسلم منهج الإسلام في تربية الأولاد ثم ساء الولد وفسد فتلك مشيئة الله
وإرادته وهو نادر فعلينا العمل وعلى الله النتائج وهو ما حصل مع سيدنا نوح وابنه
وهذا نادر وشاذ ولكي يبقى المنهج الأصلي هو المعتمد وهو ما سار عليه سلفنا وخلفوا
الأجيال الطيبة ، وهو ما ردده الشاعر العربي : وينشأ
ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وهو المراد من المثل
العربي : (( يشيب المرء على ما شب عليه )) ثم يأتي دور المجتمع والدولة والمدرسة في
إكمال البناء ومتابعة التربية السديدة الرشيدة كما يحبه الله ويرضاه.
(
[1])
رواه ابن ماجه والحاكم ، ويحسن التنبيه إلى حديث ضعيف وهو (( إياكم وخضراء الدمن))
قلنا : وما خضراء الدمن قال : (( المرأة الحسناء في منبت السوء )) رواه الدارقطني
وقال : لم يصح من وجه ، والغالب أنه موضوع وإن كان معناه حسنا ومقبولا ، (الفتح
الكبير 2/36) كشف الخفايا 1/320).
(
[2])
هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي
هريرة مرفوعا (فيض القدير 3/371 ، الترغيب والترهيب 3/45 ، صحيح البخاري 5/1958،
صحيح مسلم 10/50)
(
[3])
انظر كتاب تحفة المودود بأحكام المولود لشمس الدين ابن قيم الجوزية (752هـ) وله
طبعات كثيرة .
(
[4])
رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ،
والديلمي في مسند الفروس ، (فيض القدير 3/394).
(
[5])
رواه البيهقي عن ابن عباس (فيض القدير 3/394).
(
[6])
رواه مسلم وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة
مرفوعا (الفتح الكبير 3/250، صحيح مسلم 16/215).
(
[7])
رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة مرفوعا ، (جامع العلوم والحكم ص 85، صحيح مسلم
7/100)
(
[8])
روى الشافعي عن ابن مسعود
t قال : (( سألت النبي
r :
أي الكبائر أكبر ؟ فقال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت ثم أي ؟ قال: أن تقتل
ولدك من أجل أن يأكل معك )) (الأم 6/3).
(
[9])
رواه البخاري في الأدب المفرد ص27 ، ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي (الفتح
الكبير 1/155، نزهة المتقين 1/713 ، صحيح مسلم 11/85) .
(
[10])
هذا الحديث صحيح رواه مسلم والترمذي واحمد عن أنس مرفوعا (صحيح مسلم 16/181 ، فيض
القدير 6/177 ، مسند أحمد 3/148).
(
[11])
هذا الحديث رواه أبو داود عن أنس مرفوعا (فيض القدير 6/178).
(
[12])
رواه أبو داود (1/115) والترمذي وأحمد (2/180 ، 187) والحاكم عن ابن عمر مرفوعا
(الفتح الكبير 3/135).
(
[13])
انظر تفسير ابن كثير (4/391).
(
[14])
رواه البخاري عن أبي موسى مرفوعا فيض القدير (5/507) صحيح البخاري (2/741).
(
[15])
حديث ضعيف ، رواه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في فوائده ، والديلمي ، وابن النجار
عن علي (الفتح الكبير (1/59).
(
[16])
حديث صحيح ، رواه البخاري وغيره عن عثمان
t مرفوعا (فيض القدير 3/499ن نزهة المتقين 1/741 ، صحيح البخاري 4/1919).
(
[17])
رواه الطبراني عن النعمان ابن بشير (فيض القدير 1/557).
(
[18])
رواه الطبراني والبخاري ومسلم والإمام أحمد (فيض القدير 1/126 ، صحيح البخاري 2/913 ، صحيح مسلم 11/65
، مسند أحمد 4/269 ، 271 ).
(
[19])
رواه مسلم وأبو يعلي والطبؤاني والبيهقي وأحمد عن الأسود بن سريع وصححه السيوطي
(صحيح مسلم 16/207 ، الفتح الكبير 2/329 ، سنن البيهقي 6/202 ، 203 ، مسند أحمد
2/233).